((إنّه فتى الكهول ، له لسان سؤول ، وقلب عقول)) … ]عمر بن الخطّاب رضي الله عنه[
.………
هذا الصّحابيّ الجليل مَلَكَ المجد من أطرافه ، فما فاته منه شيء :
فقد اجتمع له مجد الصُّحبة ، ولو تأخّر ميلاده قليلاً لما شَرُف بصُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومجد القرابة ، فهو ابن عمّ نبي الله صلوات الله وسلامه عليه .
ومجد العِلم ، فهو حَبْرُ أمة محمد وبحر علمها الزّاخر .(حَبْرُ: العالم المتبحّر في العلم)
ومجد التُّقى ، فقد كان صوّاماً بالنهار قوّاماً بالليل ، مُستغفراً بالأسحار ، بَكَّاءً من خشية الله حتّى خدّد(أي: حفَر) الدمع خدَّيه .
إنّه عبد الله بن عبّاس ربَّانيُّ أمّة محمد (الرّبانيّ: العالم العارف بالله) ، وأعلمها بكتاب الله ، وأفقهها بتأويله ، وأقدرها على النفوذ إلى أغواره ، وإدراك مراميه وأسراره .
وُلِد ابن عبّاس قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولمّا توفّي الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، كان له ثلاث عشرة سنة فقط … ومع ذلك فقد حفظ للمسلمين عن نبيّهم ألفاً وستمائة وستّين حديثاً أثبتها البُخاريّ ومُسلم في صحيحهما .
ولمّا وضعته أمُّه حملته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنَّكه بريقه(حنّكه:دلّك حلقه بريقه قبل أن يرضع) ، فكان أول ما دخل جوفه ريق النبي المبارك الطّاهر ، ودخلت معه التقوى والحكمة …
((( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ))) : البقرة: 269
وما أن حلَّت عن الغلام الهاشميِّ تمائمه ، ودخل سنَّ التمييز (سن التمييز: هو سن السابعة، وقيل غير ذلك) حتّى لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُلازمة العين لأختها …
فكان يُعِدُّ له ماء وضوئه إذا همَّ أن يتوضَّأ … ويقف خلفه إذا وقف للصلاة … ويكون رديفه إذا عزم على السفر (رديف الرجل: من يركب خلفه) .
حتّى غدا كظلّه يسير معه أنّى سار ، ويدور في فلكه كيفما دار .
وهو في كل ذلك يحمل بين جنبيه قلباً واعياً ، وذهناً صافياً ، وحافظة دونها كل آلات التسجيل التي عرفها العصر الحديث .
حدَّث عن نفسه قال :
همَّ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بالوضوء ذات مرّة ؛ فما أسرع أن أعددت له الماء ، فسُرَّ بما صنعت …
ولمّا همَّ بالصلاة أشار إليَّ : أن أقف بإزائه(أي: بجنبه) ، فوقفت خلفه .
فلمّا انتهتِ الصلاة مال عليَّ وقال :
((ما منعكَ أن تكون بإزائي يا عبد الله ؟!)) .
فقلت : أنت أجلُّ في عيني وأعز من أن أوازيك يا رسول الله .
فرفع يديه إلى السماء وقال : (( اللّهم آتِهِ الحِكمة )) .
وقد استجاب الله دعوة نبيّه عليه الصلاة والسلام فآتى الغُلام الهاشميّ من الحكمة ما فاق به أساطين الحكماء (أساطين الحكماء: أكابر الحكماء والمتفرّدون منهم) .
ولا ريب في أنّك تودُّ أن تقف على صورة من صور حكمة عبد الله بن عبّاس … فإليك هذا الموقف ، ففيه بعض ممّا تريد :
لمّا اعتزل بعض أصحاب علي وخذلوه في نزاعه مع معاوية رضي الله عنهما ، قال عبد الله بن عبّاس لعلي رضي الله عنه :
ائذن لي ، يا أمير المؤمنين ، أن آتي القوم وأكلّمهم .
فقال : إنّي أتخوّف عليك منهم .
فقال : كلا إن شاء الله .
ثمّ دخل عليهم فلم يَرَ قوماً قطُّ أشدّ اجتهاداً منهم في العبادة .
فقالوا : مرحباً بك يا بن عبّاس … ما جاء بِكَ ؟!
فقال : جئت أحدّثكم .
فقال بعضهم : لا تحدّثوه … وقال بعضهم : قُل نسمع منك .
فقال : أخبروني ما تنقِمون على ابن عمّ رسول الله ، وزوج ابنته ، وأوّل من آمن به ؟! .
قالوا : ننقم عليه ثلاث أمور .
قال : وما هي ؟! .
قالوا : أوّلها : أنّه حكَّم الرّجال في دين الله (يشيرون بذلك إلى قبول علي بأن يحكم بينه وبين معاوية كلّ من أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص) …
وثانيهما : أنّه قاتل عائشة ومعاوية ولم يأخذ غنائم ولا سبايا …
وثالثهما : أنّه محا عن نفسه لقب أمير المؤمنين مع أنّ المسلمين قد بايعوه وأمَّروه .
فقال : أرأيتم إن أسمعتكم من كتاب الله ، وحدّثتكم من حديث رسول الله ما لا تنكرونه ، أفترجعون عمّا أنتم فيه ؟ .
قالوا : نعم .
قال : أمّا قولكم : إنّه حكَّم الرجال في دين الله ، فالله سبحانه وتعالى يقول :
((( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ))) : المائدة: 95
أُنشدكم الله ، أفَحُكمُ الرّجال في حقنِ دمائهم وأنفسهم ، وصلاح ذات بينهم أحقُّ ، أم حُكمهم في أرنب ثمنها رُبع درهم ؟! .
فقالوا : بل في حقن دماء المسلمين وصلاح ذات بينهم .
فقال : أَخرَجنا من هذه ؟(أي: هل انتهينا من هذه؟) … فقالوا : اللَّهمَّ نعم .
قال : وأمّا قولكم : إنَّ عليَّاً قاتَلَ ولم يَسبِ ، كما سَبَى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أفكنتم تريدون أن تسبوا أمّكم عائشة وتستحلّونها كما تُستحلّ السّبايا ؟! …
فإن قلتم : نعم ؛ فقد كفرتم …
وإن قلتم : إنّها ليست بِأُمّكم كفرتم أيضاً ؛ فالله سبحانه وتعالى يقول :
((( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ))) :الأحزاب:6
فاختاروا لأنفسكم ما شئتم .
ثمّ قال : أخرجنا من هذه أيضاً ؟ … قالوا : اللّهمّ نعم .
قال : وأمّا قولكم : إنّ عليَّاً قد محا عن نفسه لقب إمرة المؤمنين ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلب من المشركين يوم ((الحُدَيبيّة)) أن يكتبوا في الصُّلح الذي عقده معهم ((هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)) .. قالوا : لو كنّا نؤمن أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب ((محمد بن عبد الله)) ، فنزل عند طلبهم وهو يقول :
والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني .
فهل خرجنا من هذه ؟ … فقالوا : اللّهمّ نعم .
وكان من ثمرة هذا اللّقاء ، وما أظهره فيه عبد الله بن عبّاس من حكمة بالغة وحجّة دامغة أن عاد منهم عشرون ألفاً إلى صفوف علي ، وأصرّ أربعة آلاف على خصومتهم له عناداً وإعراضاً عن الحقّ .
وقد سلك الفتى عبد الله بن عبّاس إلى العلم كل سبيل ، وبذل من أجل تحصيله كل جهد .
فقد ظلَّ ينهل من معين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما امتدّت به الحياة ، فلمّا لحِق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بجوار ربّه اتّجه إلى البقيّة الباقية من علماء الصّحابة وطفق يأخذ منهم ويتلقّى عنهم .
حدّث عن نفسه قال :
كان إذا بلغني الحديث عند رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتيت باب بيته في وقت قيلولته وتوسّدت ردائي عند عتبة داره ، فيسفي عليَّ الرّيح من التراب ما يسفي (يسفي: يحمل) ، ولو شئت أن أستأذن عليه لأذن لي …وإنّما كنت أفعل ذلك لأطيّب نفسه .
فإذا خرج من بيته رآني على هذه الحال ؛ وقال : يا بن عمّ رسول الله ، ما جاء بِكَ ؟ … هلّا أرسلت إليَّ فآتيك ؟ .
فأقول: أنا أحقُّ بالمجيء إليك ، فالعلم يُؤتى ولا يأتي ، ثمّ أسأله عن الحديث .
وكما كان عبد الله بن عبّاس يُذِلُّ نفسه في طلب العلم ؛ فقد كان يُعلي من قدر العلماء .
فها هو ذا زيد بن ثابت كاتب الوحي ورأس أهل المدينة في القضاء والفقه والقراءة والفرائض (الفرائض: عِلم قسمة التركة على مستحقّيها) يهِمُّ بركوب دابّته فيقف الفتى الهاشميّ عبد الله بن عبّاس بين يديه وقفة العبد بين يدي مولاه ، ويُمسك له رِكابه ، ويأخذ بزمام دابّته .
فقال له زيد : دَعْ عنك يا بن عمِّ رسول الله .
فقال ابن عبّاس : هكذا أُمرنا أن نفعل بِعُلمائنا .
فقال له زيد : أرني يدك … فأخرج له ابن عبّاس يده ، فمال عليها وقبَّلها وقال :
هكذا أُمِرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا .
وقد دأب ابن عبّاس على طلب العلم حتّى بلغ فيه مبلغاً أدهش الفُحول … فقال فيه مسروق بن الأجدع أحد كبار التّابعين ((التّابعين: هم الرعيل الأول بعد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قسمهم علماء الحديث إلى طبقات ، أوّلهم من لحِق العشرة المبشّرين بالجنّة ، وآخرهم من لقي صغار الصحابة أو من تأخّرت وفاتهم)) :
كنت إذا رأيت ابن عبّاس قُلت : أجملُ الناس …
فإذا نطقَ قلت : أفصحُ الناس …
فإذا تحدّثَ قلت: أعلمُ الناس .
ولمّا اكتمل لابن عبّاس ما طمح إليه من العلم تحوّل إلى معلّم يُعلّم الناس .
فأصبح بيته جامعة للمسلمين …
نعم أصبح جامعةً بكلِّ ما تعنيه الكلمة في عصرنا الحديث …
وكل ما بين جامعة ابن عبّاس وجامعاتنا من فرق ، هو أنّ جامعات اليوم يُحشد فيها عشرات الأساتذة ، وأحياناً المئات …
أمّا جامعة ابن عبّاس فقد قامت على أكتاف أستاذ واحد ؛ هو ابن عبّاس نفسُهُ .
روى أحد أصحابه قال :
لقد رأيت من ابن عبّاس مجلساً لو أنّ جميع قريش افتخرت به لكان لها مفخرةً …
فلقد رأيت الناس اجتمعوا في الطّرق المؤدّية إلى بيته حتّى ضاقت بهم ، وسدُّوها في وجوه الناس ، فدخلتُ عليه وأخبرته باحتشاد الناس على بابه ، فقال : ضع لي وَضوءاً ( الوَضوء بفتح الواو: الماء الذي يتوضّأ به) … فتوضّأ وجلس ، وقال :
اخرج وقُل لهم :
من كان يريد أن يسأل عن القُرآن وحروفه فليدخل …
فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله فليدخل … فخرجت فقلت لهم .
فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل … فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل … فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن العربيَّة والشعر وغريب كلام العرب فليدخل … فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثله .
قال راوي الخبر : فلو أنّ قريشاً فخرت بذلك لكان ذلك لها فخراً .
وكأنّ ابن عبّاس رضي الله عنه رأى أن يوزّع العلوم على الأيام حتّى لا يحدث على بابه مثلُ ذلك الزّحام …
فصار يجلس في الأسبوع يوماً لا يُذكر فيه إلا التَّفسير .
ويوماً لا يُذكر فيه إلا الفقه .
ويوماً لا تُذكر فيه إلا المغازي .(المغازي: غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
ويوماً لا يُذكر فيه إلا الشِّعر .
ويوماً لا تُذكر فيه إلا أيَّام العرب .
وما جلس إليه عالم قطُّ إلا خضع له … وما سأله سائل قطُّ إلا وجد عنده عِلماً .
وقد غدا ابن عبّاس ، بفضل عِلمه وفقهه ، مستشاراً للخلافة الرّاشدة على الرّغم من حداثَةِ سِنِّه .
فكان إذا عرض لعمر بن الخطّاب أمر أو واجهته مشكلة دعا جِلَّةَ الصحابة(أي: شيوخهم ومتقدّموهم) ودعا معهم عبد الله بن عبّاس ، فإذا حضرَ رفعَ منزِلته وأدنى مجلِسَهُ وقال له :
لقد أعضل علينا أمر أنت له ولأمثالِهِ .
وقد عُوتِب مرّة في تقديمه له وجعله مع الشّيوخ ، وهو ما زال فتى ، فقال :
إنَّه فتى الكُهُول ، لهُ لِسانٌ سؤول وقلبٌ عقولٌ .
على أنّ ابن عبّاس حين انصرف إلى الخاصَّة ليُعلِّمهم ويُفقِّههم ، لم ينسَ حقَّ العامّة عليه ، فكان يعقد لهم مجالس الوعظ والتّذكير . فمن مواعظه قوله مخاطباً أصحاب الذّنوب :
يا صاحب الذّنب لا تأمن عاقبة ذنبك ، واعلم أنّ ما يتبع الذّنب أعظم من الذّنب نفسه .
فإنّ عدم استِحيائك ممَّن على يمينك وعلى شمالك وأنت تقترف الذّنب لا يقلُّ عن الذّنب .
وإنّ ضحكك عند الذّنب وأنت لا تدري ما الله صانع بكَ أعظم من الذّنب .
وإنّ فرحك بالذّنب إذا ظفرت به أعظم من الذّنب .
وإنّ حزنك على الذّنب إذا فاتك أعظم من الذّنب .
وإنّ خوفك من الرّيح إذا حرّكت سِترَك ، وأنت ترتكب الذّنب مع كونك لا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذّنب .
يا صاحب الذّنب : أتدري ما كان ذنب أيّوب عليه السلا م حين ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بجسده وماله ؟…
إنّما كان ذنبه أنَّه استعان بِهِ مسكين ليدفَعَ عنه الظُّلمَ فلم يُعِنهُ .
ولم يكن ابن عبّاس من الذين يقولون ما لا يفعلون ، وينهون الناس ولا ينتهون ، وإنّما كان صوّام نهارٍ قوّامَ ليلٍ .
أخبر عنه عبد الله بن مُليكة قال :
صحِبت ابن عبّاس رضي الله عنه من مكّة إلى المدينة ، فكنّا إذا نزلنا منزلاً قام شطرَ اللّيل والناس نيام من شدّة التّعب . ولقد رأيته ذات ليلة يقرأ :
((( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ))) :ق:19
فظلَّ يُكرِّرها وينشِجُ حتّى طلع عليه الفجر .(ينشِج: يبكي بصوت عالٍ) .
وحسبُنا بعد ذلك كلُّه أنّ عبد الله بن عبّاس كان من أجمل النّاس جمالاً ، وأصبحهم وجهاً ، فما زال يبكي في جوف اللّيل من خشية الله حتّى خدَّد الدَّمعُ الهَتُونُ(أي: المتصبِّب بغزارة) خدَّيهِ الأسِيلَينِ .(الأسِيلَينِ: المستويين النّاعِمَين) .
وقد بلغ ابن عبّاس من مجد العلم غايته .
ذلك أنّ خليفة المُسلمين معاوية بن أبي سفيان خرج ذات سنة حاجَّاً … وخرج عبد الله بن عبّاس أيضاً ، ولم يكن له صولة ولا إمارة . فكان لمعاوية موكب من رجال دولته ، وكان لعبد الله بن عبّاس موكب يفوق موكب الخليفة من طلاب العِلم .
عُمِّر ابن عبّاس إحدى وسبعين سنة ملأ فيها الدُّنيا عِلماً وفهماً وحكمةً وتقىً .
فلمّا أتاه اليقين(أي: الموت) صلَّى عليه محمد بن الحنفيّة .
والبقيّة الباقية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجِلَّةُ التّابعين …
وفيما كانوا يُوارونه تُرابه ، سمعوا قارئاً يقرأ :
((( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30} ))) : الفجر
.………
هذا الصّحابيّ الجليل مَلَكَ المجد من أطرافه ، فما فاته منه شيء :
فقد اجتمع له مجد الصُّحبة ، ولو تأخّر ميلاده قليلاً لما شَرُف بصُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومجد القرابة ، فهو ابن عمّ نبي الله صلوات الله وسلامه عليه .
ومجد العِلم ، فهو حَبْرُ أمة محمد وبحر علمها الزّاخر .(حَبْرُ: العالم المتبحّر في العلم)
ومجد التُّقى ، فقد كان صوّاماً بالنهار قوّاماً بالليل ، مُستغفراً بالأسحار ، بَكَّاءً من خشية الله حتّى خدّد(أي: حفَر) الدمع خدَّيه .
إنّه عبد الله بن عبّاس ربَّانيُّ أمّة محمد (الرّبانيّ: العالم العارف بالله) ، وأعلمها بكتاب الله ، وأفقهها بتأويله ، وأقدرها على النفوذ إلى أغواره ، وإدراك مراميه وأسراره .
وُلِد ابن عبّاس قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولمّا توفّي الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، كان له ثلاث عشرة سنة فقط … ومع ذلك فقد حفظ للمسلمين عن نبيّهم ألفاً وستمائة وستّين حديثاً أثبتها البُخاريّ ومُسلم في صحيحهما .
ولمّا وضعته أمُّه حملته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنَّكه بريقه(حنّكه:دلّك حلقه بريقه قبل أن يرضع) ، فكان أول ما دخل جوفه ريق النبي المبارك الطّاهر ، ودخلت معه التقوى والحكمة …
((( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ))) : البقرة: 269
وما أن حلَّت عن الغلام الهاشميِّ تمائمه ، ودخل سنَّ التمييز (سن التمييز: هو سن السابعة، وقيل غير ذلك) حتّى لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُلازمة العين لأختها …
فكان يُعِدُّ له ماء وضوئه إذا همَّ أن يتوضَّأ … ويقف خلفه إذا وقف للصلاة … ويكون رديفه إذا عزم على السفر (رديف الرجل: من يركب خلفه) .
حتّى غدا كظلّه يسير معه أنّى سار ، ويدور في فلكه كيفما دار .
وهو في كل ذلك يحمل بين جنبيه قلباً واعياً ، وذهناً صافياً ، وحافظة دونها كل آلات التسجيل التي عرفها العصر الحديث .
حدَّث عن نفسه قال :
همَّ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بالوضوء ذات مرّة ؛ فما أسرع أن أعددت له الماء ، فسُرَّ بما صنعت …
ولمّا همَّ بالصلاة أشار إليَّ : أن أقف بإزائه(أي: بجنبه) ، فوقفت خلفه .
فلمّا انتهتِ الصلاة مال عليَّ وقال :
((ما منعكَ أن تكون بإزائي يا عبد الله ؟!)) .
فقلت : أنت أجلُّ في عيني وأعز من أن أوازيك يا رسول الله .
فرفع يديه إلى السماء وقال : (( اللّهم آتِهِ الحِكمة )) .
وقد استجاب الله دعوة نبيّه عليه الصلاة والسلام فآتى الغُلام الهاشميّ من الحكمة ما فاق به أساطين الحكماء (أساطين الحكماء: أكابر الحكماء والمتفرّدون منهم) .
ولا ريب في أنّك تودُّ أن تقف على صورة من صور حكمة عبد الله بن عبّاس … فإليك هذا الموقف ، ففيه بعض ممّا تريد :
لمّا اعتزل بعض أصحاب علي وخذلوه في نزاعه مع معاوية رضي الله عنهما ، قال عبد الله بن عبّاس لعلي رضي الله عنه :
ائذن لي ، يا أمير المؤمنين ، أن آتي القوم وأكلّمهم .
فقال : إنّي أتخوّف عليك منهم .
فقال : كلا إن شاء الله .
ثمّ دخل عليهم فلم يَرَ قوماً قطُّ أشدّ اجتهاداً منهم في العبادة .
فقالوا : مرحباً بك يا بن عبّاس … ما جاء بِكَ ؟!
فقال : جئت أحدّثكم .
فقال بعضهم : لا تحدّثوه … وقال بعضهم : قُل نسمع منك .
فقال : أخبروني ما تنقِمون على ابن عمّ رسول الله ، وزوج ابنته ، وأوّل من آمن به ؟! .
قالوا : ننقم عليه ثلاث أمور .
قال : وما هي ؟! .
قالوا : أوّلها : أنّه حكَّم الرّجال في دين الله (يشيرون بذلك إلى قبول علي بأن يحكم بينه وبين معاوية كلّ من أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص) …
وثانيهما : أنّه قاتل عائشة ومعاوية ولم يأخذ غنائم ولا سبايا …
وثالثهما : أنّه محا عن نفسه لقب أمير المؤمنين مع أنّ المسلمين قد بايعوه وأمَّروه .
فقال : أرأيتم إن أسمعتكم من كتاب الله ، وحدّثتكم من حديث رسول الله ما لا تنكرونه ، أفترجعون عمّا أنتم فيه ؟ .
قالوا : نعم .
قال : أمّا قولكم : إنّه حكَّم الرجال في دين الله ، فالله سبحانه وتعالى يقول :
((( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ))) : المائدة: 95
أُنشدكم الله ، أفَحُكمُ الرّجال في حقنِ دمائهم وأنفسهم ، وصلاح ذات بينهم أحقُّ ، أم حُكمهم في أرنب ثمنها رُبع درهم ؟! .
فقالوا : بل في حقن دماء المسلمين وصلاح ذات بينهم .
فقال : أَخرَجنا من هذه ؟(أي: هل انتهينا من هذه؟) … فقالوا : اللَّهمَّ نعم .
قال : وأمّا قولكم : إنَّ عليَّاً قاتَلَ ولم يَسبِ ، كما سَبَى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أفكنتم تريدون أن تسبوا أمّكم عائشة وتستحلّونها كما تُستحلّ السّبايا ؟! …
فإن قلتم : نعم ؛ فقد كفرتم …
وإن قلتم : إنّها ليست بِأُمّكم كفرتم أيضاً ؛ فالله سبحانه وتعالى يقول :
((( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ))) :الأحزاب:6
فاختاروا لأنفسكم ما شئتم .
ثمّ قال : أخرجنا من هذه أيضاً ؟ … قالوا : اللّهمّ نعم .
قال : وأمّا قولكم : إنّ عليَّاً قد محا عن نفسه لقب إمرة المؤمنين ، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلب من المشركين يوم ((الحُدَيبيّة)) أن يكتبوا في الصُّلح الذي عقده معهم ((هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)) .. قالوا : لو كنّا نؤمن أنّك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب ((محمد بن عبد الله)) ، فنزل عند طلبهم وهو يقول :
والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني .
فهل خرجنا من هذه ؟ … فقالوا : اللّهمّ نعم .
وكان من ثمرة هذا اللّقاء ، وما أظهره فيه عبد الله بن عبّاس من حكمة بالغة وحجّة دامغة أن عاد منهم عشرون ألفاً إلى صفوف علي ، وأصرّ أربعة آلاف على خصومتهم له عناداً وإعراضاً عن الحقّ .
وقد سلك الفتى عبد الله بن عبّاس إلى العلم كل سبيل ، وبذل من أجل تحصيله كل جهد .
فقد ظلَّ ينهل من معين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما امتدّت به الحياة ، فلمّا لحِق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بجوار ربّه اتّجه إلى البقيّة الباقية من علماء الصّحابة وطفق يأخذ منهم ويتلقّى عنهم .
حدّث عن نفسه قال :
كان إذا بلغني الحديث عند رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتيت باب بيته في وقت قيلولته وتوسّدت ردائي عند عتبة داره ، فيسفي عليَّ الرّيح من التراب ما يسفي (يسفي: يحمل) ، ولو شئت أن أستأذن عليه لأذن لي …وإنّما كنت أفعل ذلك لأطيّب نفسه .
فإذا خرج من بيته رآني على هذه الحال ؛ وقال : يا بن عمّ رسول الله ، ما جاء بِكَ ؟ … هلّا أرسلت إليَّ فآتيك ؟ .
فأقول: أنا أحقُّ بالمجيء إليك ، فالعلم يُؤتى ولا يأتي ، ثمّ أسأله عن الحديث .
وكما كان عبد الله بن عبّاس يُذِلُّ نفسه في طلب العلم ؛ فقد كان يُعلي من قدر العلماء .
فها هو ذا زيد بن ثابت كاتب الوحي ورأس أهل المدينة في القضاء والفقه والقراءة والفرائض (الفرائض: عِلم قسمة التركة على مستحقّيها) يهِمُّ بركوب دابّته فيقف الفتى الهاشميّ عبد الله بن عبّاس بين يديه وقفة العبد بين يدي مولاه ، ويُمسك له رِكابه ، ويأخذ بزمام دابّته .
فقال له زيد : دَعْ عنك يا بن عمِّ رسول الله .
فقال ابن عبّاس : هكذا أُمرنا أن نفعل بِعُلمائنا .
فقال له زيد : أرني يدك … فأخرج له ابن عبّاس يده ، فمال عليها وقبَّلها وقال :
هكذا أُمِرنا أن نفعل بأهل بيت نبيّنا .
وقد دأب ابن عبّاس على طلب العلم حتّى بلغ فيه مبلغاً أدهش الفُحول … فقال فيه مسروق بن الأجدع أحد كبار التّابعين ((التّابعين: هم الرعيل الأول بعد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قسمهم علماء الحديث إلى طبقات ، أوّلهم من لحِق العشرة المبشّرين بالجنّة ، وآخرهم من لقي صغار الصحابة أو من تأخّرت وفاتهم)) :
كنت إذا رأيت ابن عبّاس قُلت : أجملُ الناس …
فإذا نطقَ قلت : أفصحُ الناس …
فإذا تحدّثَ قلت: أعلمُ الناس .
ولمّا اكتمل لابن عبّاس ما طمح إليه من العلم تحوّل إلى معلّم يُعلّم الناس .
فأصبح بيته جامعة للمسلمين …
نعم أصبح جامعةً بكلِّ ما تعنيه الكلمة في عصرنا الحديث …
وكل ما بين جامعة ابن عبّاس وجامعاتنا من فرق ، هو أنّ جامعات اليوم يُحشد فيها عشرات الأساتذة ، وأحياناً المئات …
أمّا جامعة ابن عبّاس فقد قامت على أكتاف أستاذ واحد ؛ هو ابن عبّاس نفسُهُ .
روى أحد أصحابه قال :
لقد رأيت من ابن عبّاس مجلساً لو أنّ جميع قريش افتخرت به لكان لها مفخرةً …
فلقد رأيت الناس اجتمعوا في الطّرق المؤدّية إلى بيته حتّى ضاقت بهم ، وسدُّوها في وجوه الناس ، فدخلتُ عليه وأخبرته باحتشاد الناس على بابه ، فقال : ضع لي وَضوءاً ( الوَضوء بفتح الواو: الماء الذي يتوضّأ به) … فتوضّأ وجلس ، وقال :
اخرج وقُل لهم :
من كان يريد أن يسأل عن القُرآن وحروفه فليدخل …
فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله فليدخل … فخرجت فقلت لهم .
فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل … فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل … فخرجت فقلت لهم ، فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثل ما سألوا عنه وأكثر ، ثمّ قال لهم :
أفسحوا الطريق لإخوانكم ، فخرجوا .
ثمّ قال لي : اخرج فقل : من أراد أن يسأل عن العربيَّة والشعر وغريب كلام العرب فليدخل … فدخلوا حتّى ملأوا البيت والحُجرة ، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به ، وزادهم مثله .
قال راوي الخبر : فلو أنّ قريشاً فخرت بذلك لكان ذلك لها فخراً .
وكأنّ ابن عبّاس رضي الله عنه رأى أن يوزّع العلوم على الأيام حتّى لا يحدث على بابه مثلُ ذلك الزّحام …
فصار يجلس في الأسبوع يوماً لا يُذكر فيه إلا التَّفسير .
ويوماً لا يُذكر فيه إلا الفقه .
ويوماً لا تُذكر فيه إلا المغازي .(المغازي: غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
ويوماً لا يُذكر فيه إلا الشِّعر .
ويوماً لا تُذكر فيه إلا أيَّام العرب .
وما جلس إليه عالم قطُّ إلا خضع له … وما سأله سائل قطُّ إلا وجد عنده عِلماً .
وقد غدا ابن عبّاس ، بفضل عِلمه وفقهه ، مستشاراً للخلافة الرّاشدة على الرّغم من حداثَةِ سِنِّه .
فكان إذا عرض لعمر بن الخطّاب أمر أو واجهته مشكلة دعا جِلَّةَ الصحابة(أي: شيوخهم ومتقدّموهم) ودعا معهم عبد الله بن عبّاس ، فإذا حضرَ رفعَ منزِلته وأدنى مجلِسَهُ وقال له :
لقد أعضل علينا أمر أنت له ولأمثالِهِ .
وقد عُوتِب مرّة في تقديمه له وجعله مع الشّيوخ ، وهو ما زال فتى ، فقال :
إنَّه فتى الكُهُول ، لهُ لِسانٌ سؤول وقلبٌ عقولٌ .
على أنّ ابن عبّاس حين انصرف إلى الخاصَّة ليُعلِّمهم ويُفقِّههم ، لم ينسَ حقَّ العامّة عليه ، فكان يعقد لهم مجالس الوعظ والتّذكير . فمن مواعظه قوله مخاطباً أصحاب الذّنوب :
يا صاحب الذّنب لا تأمن عاقبة ذنبك ، واعلم أنّ ما يتبع الذّنب أعظم من الذّنب نفسه .
فإنّ عدم استِحيائك ممَّن على يمينك وعلى شمالك وأنت تقترف الذّنب لا يقلُّ عن الذّنب .
وإنّ ضحكك عند الذّنب وأنت لا تدري ما الله صانع بكَ أعظم من الذّنب .
وإنّ فرحك بالذّنب إذا ظفرت به أعظم من الذّنب .
وإنّ حزنك على الذّنب إذا فاتك أعظم من الذّنب .
وإنّ خوفك من الرّيح إذا حرّكت سِترَك ، وأنت ترتكب الذّنب مع كونك لا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذّنب .
يا صاحب الذّنب : أتدري ما كان ذنب أيّوب عليه السلا م حين ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بجسده وماله ؟…
إنّما كان ذنبه أنَّه استعان بِهِ مسكين ليدفَعَ عنه الظُّلمَ فلم يُعِنهُ .
ولم يكن ابن عبّاس من الذين يقولون ما لا يفعلون ، وينهون الناس ولا ينتهون ، وإنّما كان صوّام نهارٍ قوّامَ ليلٍ .
أخبر عنه عبد الله بن مُليكة قال :
صحِبت ابن عبّاس رضي الله عنه من مكّة إلى المدينة ، فكنّا إذا نزلنا منزلاً قام شطرَ اللّيل والناس نيام من شدّة التّعب . ولقد رأيته ذات ليلة يقرأ :
((( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ))) :ق:19
فظلَّ يُكرِّرها وينشِجُ حتّى طلع عليه الفجر .(ينشِج: يبكي بصوت عالٍ) .
وحسبُنا بعد ذلك كلُّه أنّ عبد الله بن عبّاس كان من أجمل النّاس جمالاً ، وأصبحهم وجهاً ، فما زال يبكي في جوف اللّيل من خشية الله حتّى خدَّد الدَّمعُ الهَتُونُ(أي: المتصبِّب بغزارة) خدَّيهِ الأسِيلَينِ .(الأسِيلَينِ: المستويين النّاعِمَين) .
وقد بلغ ابن عبّاس من مجد العلم غايته .
ذلك أنّ خليفة المُسلمين معاوية بن أبي سفيان خرج ذات سنة حاجَّاً … وخرج عبد الله بن عبّاس أيضاً ، ولم يكن له صولة ولا إمارة . فكان لمعاوية موكب من رجال دولته ، وكان لعبد الله بن عبّاس موكب يفوق موكب الخليفة من طلاب العِلم .
عُمِّر ابن عبّاس إحدى وسبعين سنة ملأ فيها الدُّنيا عِلماً وفهماً وحكمةً وتقىً .
فلمّا أتاه اليقين(أي: الموت) صلَّى عليه محمد بن الحنفيّة .
والبقيّة الباقية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجِلَّةُ التّابعين …
وفيما كانوا يُوارونه تُرابه ، سمعوا قارئاً يقرأ :
((( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30} ))) : الفجر
الإثنين ديسمبر 09, 2019 2:56 am من طرف ^_^amdian^_^
» مدينة رسول الله وفضائلها
الخميس أغسطس 21, 2014 11:00 pm من طرف ام هنا
» مايحتاجه جسم المؤمن من طعام
الخميس أغسطس 21, 2014 10:53 pm من طرف ام هنا
» كيف أجعل زوجي يطيعني ,,,طريقة ناجحة
الخميس أغسطس 21, 2014 10:52 pm من طرف ام هنا
» خواطر حزينة
الخميس أغسطس 21, 2014 10:50 pm من طرف ام هنا
» الاخوه فى الله عز وجل
الخميس أغسطس 21, 2014 10:26 pm من طرف ام هنا
» طريقة للزواج العاجل والسريع للبنت
الأربعاء فبراير 26, 2014 1:02 pm من طرف مشاعل
» سلسله افلام على الكسار DSRip
الأحد فبراير 02, 2014 8:38 am من طرف eigle
» فضل يوم عرفه
الإثنين أكتوبر 14, 2013 10:52 am من طرف وليد السيد محمد
» الاخوه فى الله عز وجل
الأربعاء سبتمبر 25, 2013 11:23 pm من طرف وليد السيد محمد
» الاخوه فى الله عز وجل
الأربعاء سبتمبر 25, 2013 10:43 pm من طرف وليد السيد محمد
» حياة القرآن اجمل حياه
الثلاثاء سبتمبر 24, 2013 12:06 am من طرف وليد السيد محمد
» تلبيا لرغبات الاعضاء فيلم" البحث عن نيمو" مدبلج بالعربية
الإثنين سبتمبر 23, 2013 12:22 am من طرف عاشقه عبودي
» طلب طلب طلب طلب
الإثنين سبتمبر 23, 2013 12:17 am من طرف عاشقه عبودي
» سندريلا الجزء الاول مدبلج بالعربية
الإثنين سبتمبر 23, 2013 12:08 am من طرف عاشقه عبودي
» اكواد كول تون البوم اليسا الجديد {تصدق بمين}
الأحد سبتمبر 22, 2013 11:50 pm من طرف عاشقه عبودي
» معلومات غريبة ومفيدة
الأحد أغسطس 04, 2013 5:54 am من طرف اميرة احمد
» فوائد بيض الارانب!!!
الأحد أغسطس 04, 2013 5:47 am من طرف اميرة احمد
» عضو جديد أود التعارف
الثلاثاء يونيو 11, 2013 10:29 am من طرف ايلين الخيال
» الشيخ محمد العريفي :أيقظ غيرك .معلومات رائعة
الأحد أبريل 28, 2013 5:16 pm من طرف ام هنا
» وصفه لتخسيس البطن
السبت أبريل 27, 2013 10:56 am من طرف ام هنا
» بجد مفيش حاجة فى الدنيا نزعل عليها
الجمعة أبريل 26, 2013 4:37 pm من طرف ام هنا
» هل تعلم ان ...
الإثنين أبريل 22, 2013 1:09 pm من طرف ام هنا
» هل تعلم ان الرعد***
الأربعاء أبريل 17, 2013 8:12 pm من طرف ام هنا
» قالوا عن المراة
الثلاثاء أبريل 16, 2013 9:03 pm من طرف ام هنا
» معلومات عن التمر صدمتنى
الإثنين أبريل 15, 2013 11:32 pm من طرف ام هنا
» خواطر كن كما انت
الإثنين أبريل 15, 2013 5:50 pm من طرف ام هنا
» اربعون حديثا قدسيا واربعون حديثا من الاذكار
الإثنين أبريل 15, 2013 5:29 pm من طرف ام هنا
» انا والحزن
الأحد أبريل 14, 2013 6:30 pm من طرف ام هنا
» هل انت فى نعمة
الأحد أبريل 14, 2013 6:22 pm من طرف ام هنا